فصل: تنازل الزوجة عن قسمها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


القرعة للسفر

22 - اختلف الفقهاء في الرجل يريد السفر بإحدى زوجاته، هل له ذلك، أم لا بد من رضا سائر الزوجات أو القرعة‏؟‏

فذهب الحنفية والمالكية في الجملة إلى أن للزوج السفر بمن شاء من زوجاته دون قرعة أو رضا سائر الزوجات، لكن لكلّ منهم تفصيلاً‏:‏

فقال الحنفية‏:‏ لا حق للزوجات في القسم حالة السفر، فيسافر الزوج بمن شاء منهن‏.‏

والأولى أن يقرع بينهن فيسافر بمن خرجت قرعتها، تطييباً لقلوبهن‏;‏ ولأنه قد يثق بإحدى الزوجات في السفر وبالأخرى في الحضر والقرار في المنزل لحفظ الأمتعة أو لخوف الفتنة، وقد يمنع من سفر إحداهن كثرة سمنها مثلاً، فتعيين من يخاف صحبتها في السفر للسفر لخروج قرعتها إلزام للضرر الشديد وهو مندفع بالنافي للحرج‏.‏

وقال المالكية‏:‏ إن أراد الزوج أن يسافر بإحدى زوجتيه أو زوجاته اختار من تصلح لإطاقتها السفر أو لخفة جسمها أو نحو ذلك لا لميله إليها، إلا في سفر الحجّ والغزو فيقرع بينهما أو بينهن لأن المشاحة تعظم في سفر القربات، وشرط الإقراع صلاح جميعهن للسفر، ومن اختار سفرها أو تعين بالقرعة أجبرت عليه إن لم يشق عليها أو يكون سفرها معرةً عليها، ومن أبت لغير عذر سقطت نفقتها‏.‏

واتفق الشافعية والحنابلة على أن الزوج لا يجوز له أن يسافر ببعض زوجاته - واحدةً أو أكثر- إلا برضاء سائرهن أو بالقرعة، وذلك في الأسفار الطويلة المبيحة لقصر الصلاة، وكذا في الأسفار القصيرة في الأصحّ عند الشافعية والحنابلة قالوا‏:‏ لا فرق بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى، ومقابل الأصحّ عند الشافعية وهو قول القاضي من الحنابلة‏:‏ أنه ليس للزوج أن يستصحب بعض زوجاته بالقرعة في السفر القصير لأنه في حكم الإقامة، وليس للمقيم تخصيص بعضهن بالقرعة، فإن فعل قضى للبواقي‏.‏

واستدل الشافعية والحنابلة على وجوب القرعة لتعيين إحدى الزوجات للسفر مع الزوج بما روت عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، وأيتهن خرج سهمها خرج بها معه»، كما استدلّوا على القرعة لتعيين أكثر من واحدة للسفر مع الزوج إن أراد ذلك بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فصارت القرعة لعائشة وحفصة» وقالوا‏:‏ إن المسافرة ببعض الزوجات من غير قرعة تفضيل لمن سافر بها فلم يجز من غير قرعة‏.‏

وقالوا‏:‏ إذا سافر بأكثر من واحدة سوى بينهن في القسم في السفر كما يسوّي بينهن في الحضر‏.‏

واتفق الشافعية والحنابلة على أنه إذا خرجت القرعة لإحدى الزوجات لم يجب على الزوج السفر بها، وله تركها والسفر وحده‏;‏ لأن القرعة لا توجب وإنما تعيّن من تستحقّ التقديم، وإن أراد السفر بغيرها لم يجز‏;‏ لأنها تعينت بالقرعة فلم يجز العدول عنها إلى غيرها، وإن امتنعت من السفر مع الزوج سقط حقّها إذا رضي الزوج، وإن لم يرض الزوج بامتناعها فله إكراهها على السفر معه لأنه يجب عليها إجابته، فإن رضي بامتناعها استأنف القرعة بين البواقي لتعيين من تسافر معه‏.‏

ونص الحنابلة على أن من خرجت لها القرعة إن وهبت حقها من ذلك لغيرها من الزوجات جاز إن رضي الزوج‏;‏ لأن الحق لها فصحت هبتها له كما لو وهبت ليلتها في الحضر، ولا يجوز بغير رضا الزوج لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه، وإن وهبته للزوج أو لسائر الزوجات جاز‏.‏

وقال الشافعية والحنابلة‏:‏ إن رضيت الزوجات كلّهن بسفر واحدة معه من غير قرعة جاز‏;‏ لأن الحق لهن إلا أن لا يرضى الزوج بها فيصار إلى القرعة، ونص الشافعية على أن الزوجات إن رضين بواحدة فلهن الرّجوع قبل سفرها، قال الماورديّ‏:‏ وكذا بعده ما لم يجاوز مسافة القصر، أي يصل إليها‏.‏

وقالوا‏:‏ لو أقرع الزوج بين نسائه على سفر فخرج سهم واحدة فخرج بها، ثم أراد سفراً آخر قبل رجوعه من ذلك السفر كان ذلك كلّه كالسفر الواحد، ما لم يرجع، فإذا رجع فأراد سفراً أقرع‏.‏

وقالوا‏:‏ لو سافر بواحدة من نسائه أو أكثر بقرعة أو برضاهن لا يلزمه القضاء للحاضرات، سواء طال سفره أو قصر‏;‏ لأن التي سافر بها يلحقها من مشقة السفر بإزاء ما حصل لها من السكن، ولا يحصل لها من السكن مثل ما يحصل لمن في الحضر، أي أن المقيمة في الحضر التي لم تسافر مع زوجها وإن فاتها حظّها من زوجها أثناء سفره مع غيرها من الزوجات، فقد ترفهت بالدعة والإقامة فتقابل الأمران فاستويا، ولو سافر الزوج بواحدة أو أكثر من زوجاته دون رضاهن أو القرعة أثم، وقضى للأخريات مدة السفر‏.‏

وقالوا‏:‏ إن خرج بإحداهن بقرعة ثم أقام قضى مدة الإقامة لخروجها عن حكم السفر، وذلك إذا ساكن المصحوبة، أما إذا اعتزلها مدة الإقامة فلا يقضي‏.‏

وقالوا‏:‏ من سافر لنقلة حرم عليه أن يستصحب بعضهن دون بعض ولو بقرعة، بل ينقلهن أو يطلّقهن، وإن أراد الانتقال بنسائه فأمكنه استصحابهن كلّهن في سفره فعل ولم يكن له إفراد إحداهن به‏;‏ لأن هذا السفر لا يختصّ بواحدة بل يحتاج إلى نقل جميعهن، فإن خص إحداهن بالسفر معه قضى للباقيات، وإن لم يمكنه صحبة جميعهن أو شق عليه ذلك وبعث بهن جميعاً مع غيره ممن هو محرم لهن جاز، ولا يقضي لأحد ولا يحتاج إلى قرعة لأنه سوى بينهن، وإن أراد إفراد بعضهن بالسفر معه لم يجز إلا بقرعة، فإذا وصل إلى البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضى للباقيات‏.‏

ونص الشافعية على أن السفر الذي تتعلق به هذه الأحكام هو السفر المباح، أما غيره فليس للزوج أن يستصحب فيه بعضهن بقرعة ولا بغيرها، فإن فعل عصى ولزمه القضاء للزوجات الباقيات‏.‏

قضاء ما فات من القسم

23 - اتفق الفقهاء على أن العدل في القسم بين الزوجات واجب على الزوج، فإن جار الزوج وفوت على إحداهن قسمها فقد اختلفوا في قضاء ما فات من القسم‏:‏

فقال الحنفية والمالكية‏:‏ لا يقضي الزوج المبيت الذي كان مستحقّاً لإحدى زوجاته ولم يوفه لها‏;‏ لأن القصد من المبيت دفع الضرر وتحصين المرأة وإذهاب الوحشة، وهذا يفوت بفوات زمنه، فلا يجعل لمن فاتت ليلتها ليلةً عوضاً عنها لأنه حينئذ يظلم صاحبة تلك الليلة التي جعلها عوضاً‏;‏ ولأن المبيت لا يزيد على النفقة وهي تسقط بمضيّ المدة عند الحنفية‏.‏

وقال الشافعية والحنابلة‏:‏ على الزوج أن يقضي ما فات من القسم للزوجة إذا لم يكن ذلك بسبب من جانبها كنشوزها أو إغلاقها بابها دونه ومنعها إياه من الدّخول عليها في نوبتها‏.‏

وأسباب فوات القسم متعدّدة‏:‏ فقد يسافر الزوج بإحدى الزوجات فيفوت القسم لسائرهن‏.‏‏.‏ وقد سبق بيان حكم القضاء لهن تفصيلاً‏.‏

وقد يتزوج الرجل أثناء دورة القسم لزوجاته وقبل أن يوفي نوبات القسم المستحقة لهن، فيقطع الدورة ليختص الزوجة الجديدة بقسم النّكاح، مما يترتب عليه فوات نوبة من لم يأت دورها فيجب القضاء لها‏.‏‏.‏ وقد سبق بيان ذلك‏.‏

وقد يفوت قسم إحدى الزوجات بسفرها، وفي ذلك تفصيل عند الشافعية والحنابلة‏:‏

قالوا‏:‏ إن سافرت بغير إذنه لحاجتها أو حاجته أو لغير ذلك فلا قسم لها‏;‏ لأن القسم للأنس وقد امتنع بسبب من جهتها فسقط، وإن سافرت بإذنه لغرضه أو حاجته فإنه يقضي لها ما فاتها بحسب ما أقام عند ضرتها لأنها سافرت بإذنه ولغرضه، فهي كمن عنده وفي قبضته وهو المانع نفسه بإرسالها، وإن سافرت بإذنه لغرضها أو حاجتها لا يقضي لها ‏(‏عند الحنابلة وفي الجديد عند الشافعية‏)‏ لأنها فوتت حقه في الاستمتاع بها ولم تكن في قبضته، وإذنه لها بالسفر رافع للإثم خاصةً‏.‏

وأضاف الشافعية‏:‏ لو سافرت لحاجة ثالث - غيرها وغير الزوج - قال الزركشيّ‏:‏ فيظهر أنه كحاجة نفسها، وهو - كما قال غيره - ظاهر إذا لم يكن خروجها بسؤال الزوج لها فيه، وإلا فيلحق بخروجها لحاجته بإذنه، ولو سافرت وحدها بإذنه لحاجتهما معاً لم يسقط حقّها كما قال الزركشيّ وغيره بالنّسبة للنفقة ومثلها القسم، خلافاً لما بحثه ابن العماد من السّقوط‏.‏

وقد يفوت قسم إحدى الزوجات بتخلّف الزوج عن المبيت عندها في نوبتها أو بخروجه أثناء نوبتها، فإن كان الفوات للنوبة بكاملها وجب قضاؤها كاملةً، وإن كان الفوات لبعض النوبة كأن خرج ليلاً - فيمن عماد قسمه الليل - وطال زمن خروجه ولو لغير بيت الضرة‏.‏‏.‏ فإنه يجب القضاء وإن أكره على الخروج‏.‏

تنازل الزوجة عن قسمها

24 - اتفق الفقهاء على أنه يجوز لإحدى زوجات الرجل أن تتنازل عن قسمها، أو تهب حقها من القسم لزوجها أو لبعض ضرائرها أو لهن جميعاً، وذلك برضا الزوج‏;‏ لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه لأنها لا تملك إسقاط حقّه في الاستمتاع بها، فإذا رضيت هي والزوج جاز‏;‏ لأن الحق في ذلك لهما لا يخرج عنهما، فإن أبت الموهوبة قبول الهبة لم يكن لها ذلك لأن حق الزوج في الاستمتاع بها في كلّ وقت ثابت وإنما منعته المزاحمة بحقّ صاحبتها، فإن زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقّه في الاستمتاع بها وإن كرهت كما لو كانت منفردةً، وقد ثبت «أن سودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها وهبت يومها لعائشة رضي الله تعالى عنها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة»‏.‏

ويعلّق الشافعية على هذه الهبة بقولهم‏:‏ هذه الهبة ليست على قواعد الهبات، ولهذا لا يشترط قبول الموهوب لها أو رضاها، بل يكفي رضا الزوج‏;‏ لأن الحق مشترك بين الواهبة وبينه، إذ ليس لنا هبة يقبل فيها غير الموهوب له مع تأهّله للقبول إلا هذه‏.‏

وقال الشافعية والحنابلة‏:‏ إن وهبت ليلتها لجميع ضرائرها، ووافق الزوج، صار القسم بينهن، كما لو طلق الواهبة، وإن وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء‏:‏ إن أراد جعلها للجميع، أو خص بها واحدةً منهن، أو جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض‏.‏

وقيل - عند الشافعية - ليس للزوج أن يجعل الليلة الموهوبة له حيث شاء من بقية الزوجات، بل يسوّي بينهن ولا يخصّص‏;‏ لأن التخصيص يورث الوحشة والحقد، فتجعل الواهبة كالمعدومة‏.‏

وعند الشافعية كذلك أن إحدى الزوجات لو وهبت ليلتها للزوج ولبعض الزوجات، أو له وللجميع، فإن حقها يقسم على الرّءوس، كما لو وهب شخص عيناً لجماعة‏.‏

وقال الشافعية والحنابلة‏:‏ إن وهبت إحدى الزوجات ليلتها لواحدة جاز، ثم إن كانت تلك الليلة تلي ليلة الموهوبة والى بينهما، وإن كانت لا تليها لم يجز الموالاة بينهما إلا برضاء الباقيات، ويجعلها لها في الوقت الذي كان للواهبة‏;‏ لأن الموهوبة قامت مقام الواهبة في ليلتها فلم يجز تغييرها كما لو كانت باقيةً للواهبة‏;‏ ولأن في ذلك تأخير حقّ غيرها وتغييراً لليلتها بغير رضاها فلم يجز، وكذلك الحكم إذا وهبتها للزوج فآثر بها امرأةً منهن بعينها‏.‏

وفي قول عند الشافعية ووجه عند الحنابلة أنه يجوز للزوج أن يوالي بين الليلتين لعدم الفائدة في التفريق‏.‏

وللزوجة الواهبة الرّجوع متى شاءت فإذا رجعت انصرف الرّجوع من حينه إلى المستقبل‏;‏ لأنها هبة لم تقبض فلها الرّجوع فيها، وليس لها الرّجوع فيما مضى لأنه بمنزلة المقبوض، ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج أن ينتقل إليها، فإن لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض لها شيئاً لأن التفريط منها‏.‏

ونص بعض الحنفية على ما يوافق الشافعية والحنابلة في المسائل السابقة‏.‏

العوض للتنازل عن القسم

25 - اختلف الفقهاء في أخذ الزوجة المتنازلة عن قسمها عوضاً على ذلك‏.‏

فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز لها ذلك، لا من الزوج ولا من الضرائر، فإن أخذت لزمها ردّه واستحقت القضاء‏;‏ لأن العوض لم يسلم لها، وإنما لم يجز أخذ العوض عن قسمها لأنه ليس بعين ولا منفعة‏;‏ ولأن مقام الزوج عندها ليس بمنفعة ملكتها‏.‏

وأضاف الحنابلة‏:‏ إن كان العوض غير المال مثل إرضاء زوجها وغيره عنها جاز فإن عائشة رضي الله تعالى عنها «أرضت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفية رضي الله تعالى عنها وأخذت يومها، وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره»‏.‏

قال ابن تيمية‏:‏ قياس المذهب جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره ووقع في كلام القاضي ما يقتضي جوازه‏.‏

وذهب المالكية إلى أن أخذ العوض على ذلك جائز، فقالوا‏:‏ جاز للزوج إيثار إحدى الضرتين على الأخرى برضاها، سواء كان ذلك بشيء تأخذه منه أو من ضرتها أو من غيرهما، أو لا، بل رضيت مجاناً، وجاز للزوج أو الضرة شراء يومها منها بعوض، وتختصّ الضرة بما اشترت، ويخصّ الزوج من شاء بما اشترى، وعقب الدّسوقيّ بقوله‏:‏ وتسمية هذا شراءً مسامحة، بل هذا إسقاط حقّ لأن المبيع لا بد أن يكون متمولاً‏.‏

ما يسقط به القسم

26 - يسقط حقّ الزوجة في القسم بإسقاطها ويسقط بالنّشوز كما تسقط به النفقة‏.‏‏.‏ وذلك باتّفاق الفقهاء، ومن النّشوز أن تخرج بغير إذنه أو تمنعه من التمتّع بها‏.‏‏.‏ قال الشافعية‏:‏ ولو بنحو قبلة وإن مكنته من الجماع حيث لا عذر في امتناعها منه، فإن عذرت كأن كان به صنان مستحكم - مثلاً - وتأذت به تأذّياً لا يحتمل عادةً لم تعد ناشزةً، وتصدق في ذلك إن لم تدل قرينة قوية على كذبها‏.‏‏.‏ وسقوط حقّ الناشزة في القسم لأنها بخروجها على طاعة زوجها وامتناعها منه رضيت بإسقاط حقّها في القسم‏.‏

ولا تستحقّ القسم زوجة صغيرة لا تطيق الوطء، وكذا المجنونة غير المأمونة، والمحبوسة‏;‏ لأن في إلزام زوجها بالقسم لها إضراراً به حيث يدخل الحبس معها ليوفيها قسمها، والزوجة المسافرة لحاجتها وحدها بإذن زوجها‏.‏

قِسمة

التعريف‏:‏

1 - القسمة لغةً‏:‏ النصيب، جعل الشيء أو الأشياء أجزاءً أو أبعاضاً متمايزةً‏.‏

قال الفيّوميّ‏:‏ قسمته قسماً، من باب ضرب‏:‏ فرزته أجزاءً فانقسم، والموضع مَقسِم مثل مسجِد، والفاعل قاسم، وقسَّام مبالغة، والاسم القِسم ‏"‏ بالكسر ‏"‏ ثم أطلق على الحصة والنصيب، فيقال‏:‏ هذا قسمي، والجمع أقسام، مثل حِمل وأحمال، واقتسموا المال بينهم، والاسم القسمة، وأطلقت على النصيب أيضاً‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ جمع نصيب شائع في معين‏:‏ أي في نصيب معيَّن، وإنما كانت جمعاً للنصيب بعد تفرّق، لأنه كان قبل القسمة موزعاً على جميع أجزاء المشترك، ما من جزء - مهما قلّ - إلا ولكلّ واحد من الشّركاء فيه بنسبة مَا لَهُ في المجموع الكلّيّ، ثم صار بعد القسمة منحصراً في جزء معين لا تتخلله حقوق أحد من بقية الشّركاء، ولو كانت الجزئية باعتبار الزمان، كما في المهايأة الزمانية‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - البيع‏:‏

2 - البيع لغةً‏:‏ مقابلة شيء بشيء، أو دفع عوض وأخذ ما عوّض عنه‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ مقابلة مال بمال على وجه مخصوص‏.‏

والصّلة بين القسمة والبيع‏:‏ أن القسمة أعمّ، فقد تكون بيعاً وقد تكون غير ذلك‏.‏

ب - الإفراز‏:‏

3 - الإفراز لغةً‏:‏ التنحية أي عزل شيء عن شيء وتمييزه‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

والصّلة‏:‏ أن القسمة قد تكون بالإفراز، وقد يقصد بها بيان الحصص دون إفراز، كما في المهايأة فهي أعمّ من الإفراز‏.‏

ج - الشركة‏:‏

4 - الشركة لغةً‏:‏ اسم مصدر شرك، وهي خلط النصيبين واختلاطهما، والعقد الذي يتمّ بسببه خلط المالين حقيقةً أو حكماً‏.‏

ومن معانيها في الاصطلاح‏:‏ أن يختص اثنان فصاعداً بشيء واحد أو ما هو في حكمه‏.‏

والصّلة بين القسمة والشركة التضادّ‏.‏

مشروعية القسمة

5 - القسمة مشروعة، ودليل مشروعيتها الكتاب والسّنة والإجماع‏.‏

أما الكتاب‏:‏ ففي كثير من الآي‏:‏ من مثل‏:‏ ‏{‏وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ‏}‏، وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضاً‏}‏، وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ، لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏ وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً‏}‏‏.‏

وأما السّنة‏:‏ فقوله صلوات الله وسلامه عليه وفعله وتقريره‏:‏ فمن قوله‏:‏ حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ «إذا قسّمت الأرض وحدت، فلا شفعة فيها»، وفي معناه حديث جابر رضي الله عنه‏:‏ «قضى النبيّ صلى الله عليه وسلم بالشّفعة في كلّ ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطّرق، فلا شفعة»‏.‏

ومن فعله‏:‏ «أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم الغنائم بين المسلمين»، وفي حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه‏:‏ «قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين‏:‏ نصفاً لنوائبه وحاجاته، ونصفاً بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهماً»‏.‏

وأما تقريره‏:‏ فلا شك أن قسمة المواريث وغيرها كانت تقع على عهده صلوات الله وسلامه عليه، فيسدّد ولا ينكر‏.‏

وأما الإجماع‏:‏ فقد كان الناس - وما زالوا - منذ عهد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه حتى يومنا هذا يتعاملون بالقسمة في المواريث وفي غير المواريث، دون نكير من أحد‏.‏

قال صاحب البدائع‏:‏ فكانت شرعيتها متوارثةً‏.‏

ويقول الفقهاء‏:‏ إن القسمة توفّر على كلّ شريك مصلحته كاملةً، وبعبارة أخرى‏:‏ إنها لتكميل نفع الشريك‏.‏

تكييف القسمة

6 - اختلف الفقهاء في القسمة هل هي بيع أم محض تمييز حقوق‏؟‏

يذهب العلماء في ذلك مذاهب أربعةً‏:‏

المذهب الأول‏:‏

أنها بيع بإطلاق، وعليه مالك وبعض أصحابه، لكنه خلاف المشهور عندهم، وبعض الشافعية، وصححه جمع من قدامى أصحابهم، والرافعيّ والنوويّ، وبعض الحنابلة، وهو رواية عن أحمد‏.‏

وقالوا‏:‏ إن كل جزء من المال مشترك بين الشريكين، فإذا أخذ أحدهما نصف الجميع فقد باع ما ترك من حقّه بما أخذ من حقّ صاحبه، أو كما قال ابن قدامة‏:‏ لأنه يبدّل نصيبه من أحد السهمين بنصيب صاحبه من السهم الآخر، وهذا حقيقة البيع‏.‏

المذهب الثاني‏:‏

أنها محض تمييز حقوق بإطلاق، وعليه بعض الشافعية معهم المجد بن تيمية من الحنابلة، وكذلك بعض المالكية إذا لم تقع القسمة جزافاً‏.‏

وقالوا‏:‏ إن لوازم القسمة تخالف لوازم البيع، واختلاف اللوازم يدلّ على اختلاف الملزومات‏.‏ المذهب الثالث‏:‏

أنها تمييز حقوق في بعض دون بعض، فعند جمهور المالكية، وهي رواية المدونة عن مالك‏:‏ تمييز حقوق فيما تماثل - أي كان من نوع واحد، مع تساوي الرغبات والقيمة‏:‏ كالدّور والفدادين المتقاربة في المسافة عرفًا، المتساوية في القيمة عند أهل الخبرة وفي الرغبة لدى الشّركاء - أو تقارب ‏"‏ وقد يقال‏:‏ تجانس ‏"‏ - ككلّ ما يلبس من الثّياب‏;‏ لأن الغرض الأهم هو اللّبس، فالقطن والصّوف والحرير وغيرها، من مخيط وغير مخيط، تدخل في عداد المتقارب - إذا وقعت قسمته بطريق القرعة، أما فيما عدا ذلك فبيع‏.‏

وعند جمهور الشافعية‏:‏ تمييز حقوق في قسمة المتشابهات - وذلك حيث تتساوى الأنصباء صورةً وقيمةً، سواء في ذلك المثليّ كالحبوب والنّقود وغيره كالدار المتفقة الأبنية‏:‏ في كلّ من جانبيها مثل ما في الآخر مع انقسام العرصة ‏"‏ الساحة ‏"‏ الفاصلة بين المبنيين، والأرض الزّراعية وغير الزّراعية التي تتشابه أجزاؤها كذلك - بيع فيما عدا ذلك‏.‏

وعند جمهور الحنابلة وبعض الشافعية‏:‏ تمييز حقوق فيما عدا قسمة الردّ، أما في قسمة الردّ فبيع‏.‏

وقسمة الردّ - كما سيجيء - هي التي يستعان في تعديل أنصبائها بمال أجنبيّ‏:‏ كأرض بين اثنين في أحد جانبيها ما لا يقبل القسمة - كمعدن أو بناء أو بئر ماء - وربما كانت قيمته وحده تعدل قيمة الأرض كلها أو تزيد‏.‏

فمن وجهة نظر الحنابلة وموافقيهم من الشافعية‏:‏ أن الرادّ إنما بذل مقابل ما حصل له من حقّ شريكه عوضاً عنه، وهذا هو معنى البيع، أما في غير قسمة الردّ فيتمسك بتغاير اللوازم، كما تمسك أرباب المذهب الثاني‏.‏

وبعض الشافعية - الذين هم من أرباب المذهب الثالث - لا ينازعون في أن قسمة الردّ بيع، ولكنهم يقولون كذلك أيضاً‏:‏ كلّ قسمة أخرى يحتاج فيها إلى تعديل الأنصباء بواسطة التقويم، ليصير ما يأخذه بها كلّ شريك حقّاً خالصاً له، إذ التقويم تخمين يخطئ ويصيب‏:‏ كما في دارٍ بعضها لَبِن، وبعضها حجر، وأرض بعضها جيّد وبعضها رديء، وبستان بعضه نخل وبعضه كرم ‏"‏ وتسمى قسمة تعديل ‏"‏ - وربما قيل‏:‏ لو كانت قسمة التعديل بيعاً لما قبلت الإجبار كقسمة الردّ‏.‏

وقد قيل في مذهب الشافعية بعدم قبولها الإجبار فعلاً، ولكنه خلاف ما اعتمدوه، ولم يلتفتوا - في معتمدهم - لكونها بيعاً إلحاقاً لتساوي الأجزاء قيمةً بتساويها حقيقةً، ولدعاء الحاجة، فإن الرغبات تتعلق بتخليص الحقّ من المزاحمة وسوء المشاركة، وكما يبيع الحاكم مال المديون جبراً، ولم تحكم هذه الحاجة في قسمة الردّ‏;‏ لأن الإجبار فيها يكون إجباراً على دفع مال غير مستحقّ‏.‏

والمفهوم من كلام المالكية أن المتساوي في المقصود الأهمّ يعتبر كالمتساوي من كلّ وجه، لإمكان التجاوز عن الفرق حينئذ، سيما وهو يعدل بالقيمة‏:‏ فالذي يأخذ نصيبه من هذا أو من ذاك يكون آخذاً لعين حقّه، وهذا هو معنى تمييز الحقوق‏.‏

المذهب الرابع‏:‏

القسمة لا تخلو من المعنيين، إلا أنه في قسمة المثليّ يغلب معنى تمييز الحقوق ‏"‏ الإفراز ‏"‏ وفي قسمة القيميّ يغلب معنى البيع، وهذا هو مذهب الحنفية لا يختلفون عليه‏.‏

وقالوا‏:‏ إنه ما من جزء - مهما قلَّ - من المال المشترك إلا ونصفه لهذا ونصفه لذاك، فإذا استقل أحدهما بنصف المجموع فشطر ما استقل به كان له قبل القسمة، وإنما اجتمع وتميز بعد شيوع، وهذا هو معنى تمييز الحقوق، وشطره الآخر كان لشريكه أخذه منه عوضاً عما تركه له، وهذا هو معنى البيع، وإنما غلّب في قسمة المثليّ معنى تمييز الحقوق‏;‏ لأن المأخوذ فيها على سبيل المعاوضة هو عين المتروك حكماً، إذ هو مثله يقيناً فضعف معنى المبادلة، ولا كذلك قسمة القيميّ، فلم يضعف فيها معنى المبادلة، إذ المأخوذ ليس عين المتروك ولو حكماً، ومن ثم يكون معنى المبادلة في قسمة القيميّ أقوى منه في قسمة المثليّ‏.‏

الآثار المترتّبة على الخلاف في تكييف القسمة

7 - تتلخص هذه الآثار في أنه‏:‏ إن كانت القسمة بيعاً، فإنها تعطى أحكامه - مع ملاحظة ما مر من المستثنيات في أشباه لها - وإن كانت محض تمييز حقوق فإنها لا تعطى أحكام العقود أصلاً‏.‏

فمن أمثلة ذلك‏:‏

أ - الخيارات‏:‏ تدخل الخيارات القسمة بناءً على أنها بيع، ولا تدخلها بناءً على أنها تمييز حقوق، هكذا نص الشافعية والحنابلة، وهو مستفاد من كلام المالكية، إلا أن من الحنابلة من نفى فيها خيار الشرط على أية حال، ومنهم من أثبت خيار المجلس وخيار الشرط على أية حال، وعللوه بأن الخيار لم يشرع خاصّاً بالبيع، بل للتروّي وتبيّن أيّ الأمرين أرشد، وهذا المعنى موجود في القسمة‏.‏

ونظراً إلى أن معنى البيع قائم في كلّ قسمة عند الحنفية لم يردّدوا هذا الترديد، بل أطلقوا دخول الخيارات في جميع أقسامها، ولكن على تفاوت يرجع إلى معنىً آخر‏.‏

فقسمة الأجناس المختلفة - وهي قسمة تراض لا إجبار فيها - تدخلها الخيارات الثلاثة‏:‏ خيار الشرط، وخيار العيب، وخيار الرّؤية‏.‏

وقسمة الجنس الواحد من المثليات - وهي تقبل الإجبار - لا يدخلها سوى خيار العيب‏.‏

وقسمة الجنس الواحد من القيميات، كالبقر أو الغنم أو الثّياب من جنس واحد - وهي تقبل الإجبار أيضاً - يدخلها خيار العيب بلا خلاف، كما يدخلها خيار الشرط والرّؤية على الصحيح المفتى به‏.‏

ب - الشّفعة‏:‏ إن كانت القسمة تمييز حقوق لم تثبت فيها الشّفعة قولاً واحداً، وإن كانت بيعاً‏:‏ فقد صرح الشافعية بثبوتها، وصوروها بما إذا تقاسم شريكان من ثلاثة شركاء، وتركا نصيب الثالث مع أحدهما بإذن هذا الثالث، فإن الشّفعة تثبت لهذا الثالث، وقد أنكره الحنفية لأن الشّفعة تثبت على خلاف القياس في المبادلة المحضة، والقسمة ليست مبادلةً محضةً‏.‏

أما الحنابلة فقد اختلفوا فمنهم من أثبتها على الأصل، ومنهم من نفاها لمانع خاصّ بالقسمة، إذ تثبت لكلّ واحد منهما الشّفعة على الآخر، إذ لو ثبتت لهذا على ذاك لثبتت لذاك على هذا فيتنافيان، ووصفه المرداويّ بأنه الصواب‏.‏

ج - التقايل‏:‏ إن كانت القسمة بيعاً قبلت التقايل، وإن كانت مجرد تمييز حقوق لم تقبله، نص عليه الشافعية‏.‏ ويؤخذ أيضاً من كلام المالكية، وجرى ابن عابدين من الحنفية على أن قسمة المثليات لا تقبل التقايل، لغلبة معنى الإفراز، وقسمة القيميات تقبله، فإن خلط المقتسمون ما اقتسموه من المثليّ كانت شركةً جديدةً، مع أن العلائي وصاحب تنوير الأبصار على تعميم القبول‏.‏

أقسام القسمة

8 - تنقسم القسمة باعتبار الحاجة إلى التقويم وعدمه إلى ثلاثة أقسام‏:‏

- قسمة إفراز‏.‏

- وقسمة تعديل‏.‏

- وقسمة ردّ‏.‏

أولاً‏:‏ قسمة الإفراز

9 - وهي توجد عندما لا تكون ثم حاجة إلى تقويم المقسوم - أعني ما يراد قسمه - لعدم تفاوت الأغراض، أو لأنه تفاوت من التفاهة بحيث لا يعتدّ به، فتكون القسمة قسمة إفراز‏;‏ لأنها لا تتطلب أكثر من إفراز كلّ نصيب على حدة بمعياره الشرعيّ‏:‏ كيلاً أو وزناً أو ذرعاً أو عدّاً، وتسمى أيضاً قسمة المتشابهات‏:‏ لأنها لا تكون إلا فيما تشابهت أنصباؤه حتى لا تفاوت يذكر، أو القسمة بالأجزاء‏:‏ لأن نسبة الجزء الذي يأخذه كلّ شريك هي بعينه نسبة حقّه إلى المال المشترك، وذلك إنما يكون في المثليات المتحدة النوع - كدنانير بلد بعينه، وكالقمح الهنديّ، والأرزّ اليابانيّ، وكالأدهان المتماثلة من شيرج أو زيت أو عطور أو ما إليها - وفيما شاكلها من القيميات المتحدة النوع كذلك‏:‏ كالمنسوجات الصّوفية أو الحريرية أو القطنية، وكالكتب، والأقلام، والساعات، والأحذية، وكالدار الواحدة التي في كلّ من جانبيها مثل ما في الآخر من الأبنية تصميماً، وأدوات بناء، وإحكام صنعة، وعدد حجر مع إمكان قسمة الساحة الفاصلة بين الجانبين‏.‏ وبالجملة عندما تتساوى الأنصباء صورةً وقيمةً‏.‏

ثانياً‏:‏ قسمة التعديل

10 - وتكون عندما لا تتعادل الأنصباء بذاتها، وإنما تتعادل باعتبار القيمة، يوضّحه‏:‏ أنه ربما كان المال المشترك بين اثنين مناصفةً، ولكن قيمة ثلثه - لما اختص به من مزايا - تساوي قيمة ثلثيه‏;‏ فيجعل في القسمة الثّلث المذكور سهماً بحقّ النّصف، والثّلثان سهماً آخر بحقّ النّصف الآخر، كما أن الساعة قد تجعل سهماً بحقّ النّصف، والكتاب والقلم سهماً آخر بحقّ النّصف الآخر، إن كانت قيمتها تساوي قيمتيهما‏.‏

ثالثاً‏:‏ قسمة الردّ

11 - وتكون إذا لم تعدل الأنصباء، بل تركت متفاوتة القيمة اختياراً أو اضطراراً، وبحيث يكون على الذي يأخذ النصيب الزائد أن يرد على شريكه قيمة حقّه في تلك الزّيادة‏.‏

وسمّيت بذلك لمكان الحاجة فيها إلى ردّ مال أجنبيّ عن مال الشركة إلى بعض الشّركاء - وهي قسمة تعديل أيضاً - ولكن يشار إليها بفصلها المميز، وإذا أطلقت قسمة التعديل فإنما تنصرف إلى ما لا رد فيها، وهاك مثالين لقسمة الردّ‏:‏ أحدهما يمثّلها في حالة الاختيار، والآخر في حالة الاضطرار‏:‏

المثال الأول‏:‏ أرض مشتركة بين اثنين مناصفةً‏.‏ وفي أحد جانبيها بئر لِرَيِّها لا تمكن قسمتها، فقد يمكن أن تقسم الأرض نصفين على سواء، ويكون على الذي يأخذ النّصف الذي فيه البئر نصف قيمتها للذي يأخذ النّصف الآخر، وهذه قسمة ردّ‏.‏

ويمكن أن تقوّم الأرض والبئر معاً بألف وخمسمائة مثلاً، للبئر منها ثلثها‏:‏ فيأخذ أحدهما البئر وربع الأرض، ويأخذ الآخر الثلاثة الأرباع الباقية، وهذه قسمة تعديل لا رد فيها‏.‏

فإذا قسمت على النحو الأول فهي قسمة ردّ يؤثرانها اختياراً دون أن تلجئ إليها ضرورة‏.‏

ومثل البئر غيرها كشجرة أو بناء لا يقسم أو منجم ‏"‏ معدن ‏"‏ كذلك‏.‏

المثال الثاني‏:‏ لو فرضنا في المثال السابق أن قيمة البئر تساوي أكثر من قيمة الأرض كلّها، فحينئذ لا يكون بدّ من أن يرد آخذها على الآخر قيمة ما بقي له في تلك البئر بعد التعديل بالقيمة، فإذا كانت قيمة الأرض ألفاً، وقيمة البئر ألفاً ومائتين، فإن نصيب كلّ منهما يكون ما قيمته ألف ومائة، فإذا أخذ أحدهما الأرض كلها وترك البئر، رد عليه الآخر مائةً، وإذا أخذ بعض الأرض فقط رد عليه الآخر أيضاً قيمة ما ترك له منها‏.‏

وهذا التقسيم للشافعية، ويلخّصونه بأن المقسوم إن تساوت الأنصباء منه صورةً وقيمةً فالإفراز، وإلا فإن لم يحتج إلى ردّ شيء آخر فالتعديل، وإلا فالردّ، وقد صرح الحنابلة بمثله، وإن لم يبرزوه إبراز الشافعية، ومن ذلك قول ابن مفلح في الفروع‏:‏ وتعدل السّهام بالأجزاء إن تساوت، وبالقيمة إن اختلفت، وبالردّ إن اقتضته‏.‏

ولا بد عند المالكية من التقويم، ويقوم مقامه التحرّي، أي الخرص في قسمة الزرع قبل بُدُوِّ صلاحه بشرط القطع، وكذا فيما يقبل التفاضل من غير المزروعات، وذلك في كلّ شيء تراد قسمته بالقرعة عقاراً أو منقولاً، باستثناء شيئين اثنين على خلاف عندهم في استثنائهما‏:‏

أ - المثليات - وهي المكيلات والموزونات والمعدودات ‏"‏ المتفقة الصّفة ‏"‏، فإنها تقسم كيلاً أو وزناً أو عدّاً، والاستثناء إنما هو على القول بقبولها القرعة، فإن ابن عرفة في فتاويه، تبعاً للباجيّ، لم يفرّق بينها وبين القيميات، وعبارة ابن القاسم في المدونة‏:‏ قال مالك‏:‏ تقسم الأشياء كلّها على القيمة، ثم يضرب بالسّهام‏.‏

ب - العقار المتفق المباني‏:‏ بأن يكون في كلّ من جانبيه مثل ما في الآخر عيناً ومنفعةً، فإنه يجوز عند بهرام أن يقسم بالمساحة، وجرى الخرشيّ على عدم اعتماده، واعتمدوه في حواشي التّحفة‏.‏

فأنت ترى قسمة الإفراز واضحةً لائحةً عند المالكية وموافقيهم في قسمة المثليات المتفقة الصّفة، وفي قسمة العقار المتفق المباني‏:‏ الأول على معتمدهم، والثاني على قول بهرام ومعتمديه، وقسمة التعديل فيما عداهما‏.‏

هذا بالنّسبة لقسمة القرعة، أما قسمة التراضي فقد تكون بتقويم وتعديل وقد تكون بدونهما‏.‏ أما قسمة الردّ، فالمالكية يثبتونها على التراضي من غير قرعة‏;‏ لانطواء القرعة فيها على الغرر الكثير، إذ قد يريد أحد الشريكين أخذ الأحظّ وتحمّل الفرق أو عكسه، ولكن القرعة تخرج له ما لا يشتهي، وقد أثبتها خليل في قسمة القرعة أيضاً لكن في الشيء القليل، إلا أنهم لم يعتمدوه، وفي ذلك يقول النفراويّ‏:‏ ولا يؤدّي أحد الشّركاء ثمناً لشريكه لزيادة في سهمه، مثال ذلك‏:‏ أن يكون المشترك فيه ثوبين، وكان أحدهما يساوي دينارين، والآخر يساوي ديناراً، واقترعا على أن من صار له الذي يساوي الدّينارين يدفع نصف دينار ليحصل التعادل، فإن ذلك غير جائز، لما يلزم من دخول قسمة القرعة في صنفين، وهو غير جائز في قسمة القرعة، قال خليل - بالعطف على ما لا يجوز - ‏"‏ أو فيه تراجع، إلا أن يقل ‏"‏ والمعتمد عدم الجواز، ولو قل ما به التراجع، ولذلك قال ابن أبي زيد‏:‏ ‏"‏وإن كان في ذلك الفعل الذي دخلا عليه تراجع لم يجز القسم بوجه من الوجوه إلا بتراض منهما فيجوز‏;‏ لأن قسمة المراضاة يجوز دخولها في الجنسين ‏"‏ وحينئذ فما يقع بين العوام من ‏"‏ الفصال ‏"‏ - وهو قسمة المواشي - من جعل نحو البقرة قسماً، وبنتها مع بعض دراهم قسماً آخر، ويدخلان على القرعة، فاسد - وإن استحسنه اللخميّ بالشيء القليل، ومشى عليه العلامة خليل، فقد علمت أن المعتمد - كما قال ابن عرفة المنع مطلقاً‏.‏

وأما بالمراضاة بأن يقول أحدهما لصاحبه‏:‏ أنت بالخيار بين أخذ الصغيرة وتأخذ كذا، أو الكبيرة وتدفع كذا - من غير قرعة - فيجوز، ومثله في التّحفة وحواشيها، ومثلوا بدارين إحداهما بمائة والأخرى بستّين أو تسعين‏:‏ لا يجوز بالقرعة أن يستقل كلّ بدار، على أن يرد من أخذ أفضل الدارين عشرين في الحالة الأولى، أو خمسةً في الحالة الثانية، ورخص في هذه الأخيرة اللخميّ، أي وفي كلّ حالات القلة، وقدروها بنصف العشر أو نحوه، وظاهر المدونة جواز قسمة الردّ بإطلاق، وإن كان كلامها في العقار‏.‏

تقسيم القسمة باعتبار إرادة المتقاسمين

12 - القسمة بهذا الاعتبار قسمان‏:‏ قسمة تراض، وقسمة إجبار، ولا يخالف في ذلك أحد من أهل العلم على الإجماع‏.‏ ذلك أن الشّركاء قد يرغبون جميعاً في قسمة المال المشترك، أو يرغب بعضهم ويوافق الباقون على أصل القسمة وعلى كيفية تنفيذها، فلا تكون بهم حاجة إلى اللّجوء إلى القضاء، وتسمى القسمة حينئذ قسمة تراض‏.‏

وقد يرغب واحد أو أكثر، ويأبى غيره، فإذا لجأ الراغب إلى القضاء، فإن القاضي يتولى قسمة المال وفق الأصول المقررة شرعاً، وتكون القسمة حينئذ قسمة إجبار‏.‏

فقسمة التراضي‏:‏ هي التي تكون باتّفاق الشّركاء‏.‏

وقسمة الإجبار‏:‏ هي التي تكون بواسطة القضاء، لعدم اتّفاق الشّركاء‏.‏

ثم ليس حتماً في قسمة الإجبار أن يتولاها القاضي بنفسه، أو بمن يندبه لذلك، بل له أن يحبس الممتنع من القسمة حتى يجيب إليها، ويحدّد له القاضي مدةً معقولةً لإتمامها بصورة عادلة‏.‏ وفي كلام الحنفية إشارة صريحة إلى نحو من هذا، إذ يقولون‏:‏ ليست القسمة بقضاء على الحقيقة، حتى لا يفترض على القاضي مباشرتها، وإنما الذي يفترض عليه جبر الآبي على القسمة‏.‏

13 - وقد علمنا فيما سلف أن قسمة النوع الواحد تقبل الإجبار عند الحنفية مثليّاً كان كالحبوب أو الأدهان أو الجوز أو البيض، ‏"‏ ويكفي تقارب المثليّ العدديّ ‏"‏ أم قيميّاً كالإبل أو البقر أو الغنم، وكذا عند الصاحبين الدّور أو الحوانيت في بلد واحد، والأراضي الزّراعية أو البساتين كذلك، أما قسمة الأنواع المختلفة - كخليط من الأمثلة الآنف ذكرها - قسمة الشيء الواحد، حتى يستقل الشريك بنوع أو أكثر ‏"‏ وهي من قسمة الجمع ‏"‏ فهذه لا تقبل الإجبار، لمكان فحش تفاوتها وتفاوت الرغبات فيها‏:‏ فيتعذر تعديلها، وينطوي الإجبار عليها على الجور والضرر، فإذا تراضى الشّركاء عليها فلا مانع منها حينئذ‏;‏ لأن ما عساه يكون قد فات بها من حقّ أحدهم فإنما فات بطيب نفس منه، والذي يملك الحق يملك إسقاطه، ما دام حقّاً خالصاً له، نعم، إن لم يمكن الوصول إلى الحقّ إلا جبراً على هذه المبادلة، فإنه يجبر عليها كقضاء الدين‏.‏

لكن شريطة الإجبار بعد طلب القسمة‏:‏ انتفاء الضرر، والمراد بالضرر هنا‏:‏ هو فوات المنفعة المقصودة من المال المشترك‏.‏

وهناك ثلاثة آراء في تحديد مداه‏:‏

الرأي الأول‏:‏ أنه الضرر العامّ فحسب، أي الذي لا يخصّ شريكاً دون آخر‏:‏ بأن بطلت بالنّسبة لكلّ شريك المنفعة المقصودة من المال المشترك، كما لو كان حجم البيت أو الحمام أو الطاحون صغيراً، لا ينقسم بعدد الشّركاء بيوتاً وحمامات وطواحين، وكما في قسمة الجوهرة، والثوب الواحد، والحذاء، والجدار والبقرة، والشاة، فهذا الضرر هو الذي يمنع من الإجبار على القسمة‏;‏ لأنها لتكميل المنفعة، وليس هنا إلا تفويتها، فيكون من قلب الموضوع، وهكذا كلّ ما تحتاج قسمته إلى كسر أو قطع، ولذا قالوا‏:‏ لو كان مع ما لا يقسم - لما في قسمته من الضرر العامّ للمقتسمين، من عين أو بئر أو نهر أو قناة - أرض، قسمت الأرض وتركت البئر والقناة وما إليهما على الشركة، أما على التراضي فلا مانع من القسمة‏;‏ لأنهما يملكان الإضرار بأنفسهم، والقاضي لا يمنع بالقضاء من يقدم على إتلاف ماله‏.‏

أما الضرر الخاصّ ببعض الشّركاء دون بعض - كما لو كان نصيب واحد فحسب في البيت أو الحمام أو الطاحون هو الذي يتسع لمثل ذلك - فإنه لا يمنع الإجبار على القسمة، سواء أكان المستضرّ هو طالب القسمة أم غيره، ذلك أنه إن كان المستضرّ هو طالب القسمة، فقد رضي بضرر نفسه، وبذا صارت القسمة كالخالية من شوب الضرر، وإن كان الآخر، فإن الضرر اللاحق بالمستضرّ من القسمة ليس - إذا أمعنا النظر - بضرر حقيقيّ، بمعنى أنه يفوت به حقّ له، وإنما كلّ ما هنالك أنه بسبب قلة نصيبه يريد لنفسه استمرار الانتفاع بنصيب شريكه، وهذا يأبى عليه، ويطالب باستخلاص حقّه، وتكميل منافع ملكه، ولهذا شرعت القسمة، ووظيفة القاضي القيام بواجب الإنصاف، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقه، فيجب عليه ذلك هنا، وهذا هو الذي قرره الحاكم الشهيد‏.‏

الرأي الثاني‏:‏ أنه الضرر الذي لا يخصّ الطالب، فيشمل الضرر الخاص بالممتنع والضرر العام‏;‏ لأن ضرر طالب القسمة يسقط اعتباره بطلبه، إذ معناه رضاه بضرر نفسه، أما ضرر الآخر ‏"‏ وهو الممتنع ‏"‏ فليس ثم ما يسقط اعتباره، والطالب لا يسلط على الإضرار بغيره، وهذا هو الذي ذكره الجصاص‏.‏

الرأي الثالث‏:‏ أنه الضرر الذي لا يخصّ الممتنع فيشمل الضرر الخاص بطالب القسمة، والضرر العام أي عكس الثاني‏;‏ لأن ضرر الممتنع ليس ضرراً حقيقيّاً - كما أوضحناه - فلا يعتدّ به، وإنما ينظر في ضرر الطالب‏:‏ فإذا انتفى فليس ثم مانع ما من الإجبار على القسمة، وإذا لم ينتف، كان متعنّتاً بطلب القسمة، والمتعنّت لا يلتفت إليه، وقسمة الإجبار لا تكون بدون طلب معتدّ به، وهذا هو الذي قرره الخصاف، وجرى عليه القدوريّ، وقال في الهداية‏:‏ إنه الأصحّ‏.‏

14 - أما قسمة التراضي‏:‏ فلا يشترط فيها انتفاء الضرر، بل الرّضا به ممن يقع عليه، واحداً كان أو أكثر، حتى لو كانت القسمة ضارةً بجميع الشّركاء لكنهم رضوا بها فهذا شأنهم وحدهم‏;‏ لأن الحق لهم لا يعدوهم، وهم أدرى بحاجاتهم، فلا يكون ثم مانع منها وقد رضوا بضرر أنفسهم‏.‏

15 - ولا يخالف أحد من أهل العلم على الإجماع في أن القسمة تتنوع إلى‏:‏ قسمة تراض وقسمة إجبار، ولكنهم يختلفون في تفصيل ذلك‏.‏

فالشافعية والحنابلة لم تتفق كلمتهم على قبول القسمة للإجبار إلا في قسمة الإفراز ‏(‏قسمة المتشابهات‏)‏ - بالمعنى الذي سبق ‏(‏ف /9‏)‏‏;‏ لأن الطالب يريد أن ينتفع بماله على الكمال، وأن يتخلص من سوء المشاركة، دون إضرار بأحد‏.‏

كما لم يتفقوا على امتناع الإجبار إلا في قسمة الردّ‏;‏ لأنه فيها تمليك ما لا شركة فيه، والشأن فيه ألا يقبل الإجبار، أما في قسمة التعديل بمعناها السابق ‏(‏ف /10‏)‏ فمنهم، وهو قول للشافعيّ نفسه، من يمنع قبولها للإجبار منعاً مطلقاً لا استثناء فيه‏;‏ لأن الغرض أن الأنصباء غير متساوية بنفسها‏.‏ بل بقيمتها، والأغراض والمنافع تتفاوت رغم استواء القيمة، فليست حديقة البرتقال كحديقة العنب، في نفسها ولا في عائدتها وجدواها، ولا في ملاقاة رغبات الناس وحاجاتهم - ولو أن كلّاً من هذه وتلك يساوي ألف دينار مثلاً، ولا المساحة الصغيرة الجيّدة التّربة أو المطلة على النهر كالمساحة الفسيحة الرديئة أو الخلفية - وإن تساوت قيمتاها‏.‏

ومنهم من يسيغه‏;‏ لأن لطالب القسمة غرضاً صحيحاً، ولن يفوت الآخر شيء من حقّه باعتبار المالية، وهذا هو قولهم تنزيلاً للتساوي في القيمة منزلة التساوي في الأجزاء، وما عساه يفوت عيناً يعتاض عنه بالتخلّص من مساوئ الشركة، بل ربما كان الممتنع من القسمة سيّئ النّية، يريد الجور والاغتصاب بالإبقاء على شركة غير متوازنة، كما لو كان لا يملك فيها إلا بنسبة العشر، وتقدم في كلام الحنفية إيضاحه ‏(‏ف /13‏)‏ وهذا قول آخر للشافعيّ، وعليه معول أصحابه، وهو مذهب الحنابلة لا يختلفون عليه، وإن أبدوا احتمالاً بمثل القول الأول للشافعيّ في خصوص المنقولات، إلا أن الشافعية عادوا بعدما أطلقوه، فذكروا فروعاً يستفاد منها تقييده، وفعل الحنابلة مثل ذلك أيضاً، وزادوا التصريح ببعض الشرائط‏.‏

وهاك ما اجتمع لنا من قيودهم‏:‏

16 - أولاً‏:‏ اتّحاد الجنس‏:‏ ويريدون بالجنس هنا النوع، فالعقار الواحد الذي لا يشبه بعضه بعضاً، كالأرض الواحدة التي تتفاوت أجزاؤها جودةً ورداءةً، أو يختلف نوع غراسها - كأن كان في أحد جانبيها حديقة عنب وفي الآخر حديقة نخل، والدار الواحدة التي يكون في أحد جانبيها بناء من حجر وفي الآخر بناء من اللَّبِن، أو لأحدهما واجهة مرغوب فيها، وللآخر واجهة مرغوب عنها - هذا العقار يقبل الإجبار على قسمته، فإذا طلب أحد الشّركاء القسمة أجبر القاضي الممتنع، إلا أن من الشافعية كالماورديّ والرّويانيّ، ومن الحنابلة كأبي الخطاب، من يذكرون هنا تفقّهاً - وبه جزم بعضهم - أنه إذا أمكنت قسمة الجيّد وحده والرديء وحده، فإن الإجبار إنما يكون على قسمة كلّ على حدة، قياساً على الأراضي المتعدّدة التي يمكن قسمة كلّ منها على حدة، ولا سبيل إلى جمع الكلّ حينئذ وقسمته قسمةً واحدةً باعتبار القيمة‏.‏

ومعنى ذلك - بجانب أن الأراضي تعتبر نوعاً واحداً عند الشافعية والحنابلة وأن تعدّدها بمثابة اختلاف الصّفة كالجودة والرداءة - أنه متى أمكنت قسمة الإفراز، لا يلجأ القاضي إلى قسمة التعديل، ومتى أمكنت قسمة كلّ عين على حدة، ولو تعديلاً، لا يلجأ القاضي إلى قسمة الأعيان مجتمعةً، وهذا بيّن لائح‏;‏ لأن الوصول إلى عين الحقّ ما أمكن هو عين الإنصاف، أما بالتراضي فللشّركاء أن يفعلوا ما شاءوا، إفرازاً أو تعديلاً أو ردّاً‏.‏

أما إذا تعدد نوع العقار، كأن كانت الشركة في عدة دور أو حوانيت، فهذه أجناس مختلفة حكماً، وإن كانت جنساً واحداً حقيقةً لاختلاف الأغراض باختلاف الأبنية ومواقع البناء، ولا يجمع في قسمة الإجبار بين جنسين‏.‏ فتقسم - إن لم يتراضوا على الجمع - كلّ دار وكلّ حانوت على حدة، سواء أكانت متجاورةً أم متباعدةً، لتفاوت مقاصدها، نعم‏.‏ اعتمد الشافعية - خلافاً لبعض منهم، خلافاً للحنابلة الذاهبين إلى أن كل ما لا تجمعه الشّفعة لا تجمعه القسمة، إذ كلتاهما لإزالة ضرر الشركة أن الجنسين إذا أمكن تنزيلهما منزلة الجنس الواحد، لكونهما أشبه بالحجر في الدار الواحدة، يجمع بينهما في قسمة الإجبار، وقد ضربوا لذلك مثلين‏.‏

الأول‏:‏ ضيعة بين اثنين تتألف من بضعة أفدنة ودارين، فإذا طلب أحدهما القسمة، واقتضت أن يستقل كلّ منهما بدار من الدارين، فإنه يجاب إلى ذلك‏.‏

الثاني‏:‏ الدكاكين الصّغار المتلاصقة ‏"‏ وتسمى العضائد ‏"‏، فلا تتفاوت فيها الأغراض وألتي لا يقبل كلّ منها القسمة على حدة، يجوز أن تجمع بينها في قسمة أعيانها قسمة إجبار، على ألا تبقى للشركة علقة، كما سيجيء‏.‏

17 - ثانياً‏:‏ اتّحاد الصّنف‏:‏ في قسمة المنقولات، فليس يكفي فيها اتّحاد الجنس حتى يتحد صنفها أيضاً، لأن هذا هو الذي يقلّل من شأن تفاوت الأغراض فيها‏.‏ فلا إجبار على قسمة التعديل عندما يختلف جنس المنقولات‏:‏ كأبسطة وستائر ووسائد وحشايا ومقاعد ومناضد وثلاجات وقماطر، أو يختلف نوعها‏:‏ كثياب بعضها حرير‏.‏ وبعضها قطن، وبعضها صوف، وأبسطة عجمية وأخرى عادية، وقماطر خشبية وأخرى من الصاج، أو يختلف صنفها‏:‏ كحرير هنديّ وحرير يابانيّ، وخشب زان وخشب أبيض‏.‏

ولا بد أن يفرض مع اتّحاد الجنس والصّنف اختلاف الصّورة والمظهر، أو اختلاف القيمة وإلا كان الموضع لقسمة المتشابه ‏(‏قسمة الإفراز‏)‏، كما علم مما سبق ‏(‏ف / 9‏)‏، لا لقسمة التعديل، وقد أشار إلى ذلك بعض المتأخّرين، فالأبسطة مثلاً تختلف أحجامها وعدد فتلاتها - وهو اختلاف في الصّورة - ويتبعه اختلاف القيمة، فإذا كانت هنالك ثلاثة أبسطة من صنف واحد مشتركة بين اثنين مناصفةً، وقيمة أحدها مائة دينار، وقيمة الآخرين معاً مائة، وطلب أحدهما القسمة على هذا النحو، أي قسمة تعديل، فإنه يجاب ويجبر الآخر إذا امتنع، لقلة تفاوت الأغراض حينئذ، بخلاف ما إذا اختلفت أجناس الأبسطة أو أصنافها، فإنه لا سبيل إلى قسمتها قسمة تعديل إلا بالتراضي‏;‏ لشدة تعلّق الأغراض بكلّ نوع وصنف، وهكذا يقال في غير الأبسطة، لا سيما إذا كانت آحاده لا تقبل القسمة أصلاً كالحيوانات، كما إذا فرضنا مكان الأبسطة ثلاث بقرات‏.‏

والحنابلة لا يشترطون سوى اتّحاد النوع وتساوي القيمة وإن اختلف الصّنف، كالضأن والمعز‏.‏

18 - ثالثاً‏:‏ ألا تبقي القسمة شيئاً مشتركاً‏:‏ أي من المال المراد قسمه، وهذا هو الذي يعنونه ‏"‏ بانقطاع العلقة بين الشّركاء ‏"‏، وهاك بضعة أمثلة‏:‏

أ - سيارتان بين اثنين مناصفةً، قيمة إحداهما ألف وخمسمائة دينار، وقيمة الأخرى خمسمائة دينار فحسب، لا يمكن الإجبار على قسمتهما إذا منعنا الإجبار على قسمة السيارة الأعلى قيمةً، لبقاء الشركة فيها حينئذ، ولذا يقولون‏:‏ لو كان بين اثنين بقرتان، قيمة إحداهما نصف قيمة الأخرى، فطلب أحدهما القسمة على أن يبقى لمن خرج له أقلّهما قيمةً ربع الأخرى، فلا إجبار على المذهب عند الشافعية، وهكذا كلّ أدنى وأعلى، ومثله للحنابلة‏.‏

ب - الأرض المشتركة يكون فيها بناء أو شجر، فيطلب أحد الشّركاء قسمة البناء أو الشجر وحده، وتبقى الأرض مشتركةً، أو يطلب قسمة الأرض وحدها، ويبقى البناء أو الشجر مشتركاً، لا يجاب إلى طلبه، أي أنه لا إجبار على هذه القسمة‏;‏ لأنها لا تزيل الشركة تماماً، فإذا تراضيا على ذلك فلا بأس‏.‏

ج - يقولون‏:‏ يجبر الممتنع على قسمة علوّ وسفل من دار أمكن قسمتها‏;‏ لأن البناء تابع للأرض، كالشجر فيها لا على قسمة أحدهما فقط‏;‏ لأن القسمة تراد للتمييز، ولا على جعله لواحد والآخر لآخر، وقد يعلل ذلك بأنه لما زالت الشركة تماماً بقسمة الطابقين جميعاً صح الإجبار على القسمة، ولما بقيت في بعض الدار بقسمة أعلاها دون أسفلها، أو العكس، لم يمكن الإجبار على هذا، لكنه يجوز من طريق التراضي‏.‏

ولم ير الحنفية ولا المالكية مانعاً بأية حال من أن يكون السّفل لواحد، والعلوّ لآخر، وربما صور الحنابلة على أنه جمع بين جنسين مختلفين اسماً ومنفعةً، فلا يقبل الإجبار‏.‏

نعم يغتفر بقاء الشركة في التوابع والملحقات، صرح به الشافعية، إذ ينصّون على أنه إذا لم يكن بدّ من بقاء طريق مشترك بين المتقاسمين - لأنه لا يمكن استقلال كلّ بطريق - فإن هذا لا يمنع الإجبار على القسمة‏.‏

19 - رابعاً‏:‏ أن لا تنقص قيمة المقسوم بقسمته‏:‏ وهذه الشريطة مفهومة من المهذب للشّيرازيّ، وصرح بها الجيليّ من الشافعية، ونقلوها عنه في قسمة العقار المتعدّد الجنس قسمة تعديل تنزيلاً له منزلة الجنس الواحد، كالحجر في الدار الواحدة، وهو ناظر إلى أن نقص القيمة ضرر وإضاعة مال، فلا يدخل فيه القضاء، لكن سيأتي لهم تفسير الضرر بغير ذلك‏.‏

20 - خامساً‏:‏ تعذّر قسمة كلّ نوع على حدة‏:‏ وقد فهم هذا مما سبق ‏(‏ف /16‏)‏، لكنه خاصّ بالعقارات عند الشافعية‏;‏ لأن المنقولات لا يجبر على قسمتها قسمة جمع إلا إذا اتحد صنفها، نعم هو على عمومه عند الحنابلة‏.‏

21 - والمالكية يجعلون قسمة الإجبار فيما تماثل أو تقارب دون ردّ، وقسمة التراضي فيما عداه، كما أسلفنا، ومعنى ذلك أنهم يوافقون الشافعية والحنابلة في أن قسمة الإجبار مشروطة باتّحاد النوع أيضاً، وبعدم الردّ - إلا أن يقل في قول لهم - ولكنهم يخالفون في أربعة مواضع‏:‏

أ - الموضع الأول‏:‏ أنه ليس كلّ ما اتحد نوعه يقبل الإجبار على قسمته، بل لا بد عند المالكية من التساوي في القيمة وفي رغبات الشّركاء، ولا بد أيضاً من قرب المسافة بين العقار والعقار، فقطعة الأرض التي تبعد عن الأخرى أكثر من ميلين أو تكون أجود منها تربةً، أو أدنى إلى رغبة أحد الشريكين دون الآخر - لقربها من مسكنه مثلاً، أو لأنها تسقى بدون آلات - لا يجبر على قسمتهما معاً كقطعة واحدة باعتبار القيمة، بل تقسم كلّ قطعة على حدة‏.‏

ولا بد للإجبار على الضمّ عند المالكية من اتّحاد نوع الأشجار في حدائق الفاكهة، وعدم إمكان قسمة كلّ حديقة على حدة، بل إن الحديقة الواحدة تكون أشجاراً جانب منها النخل، وجانب آخر التّفاح أو الرّمان، أو الخوخ، لا تقبل الإجبار على قسمتها قسمة الشيء الواحد، بل يقسم كلّ نوع من أشجارها على حدة حيث أمكن، فإن لم يمكن فإنه إذن للضرورة يصحّ الإجبار على ضمّ النوع إلى غيره، وقسمة الجميع كشيء واحد مع التعديل بالقيمة، وإن كان هذا قد يؤدّي إلى أن يحصل أحد الشّركاء على أصناف من الأشجار أكثر من غيره‏.‏

ب - الموضع الثاني‏:‏ أن ليس كلّ ما اختلف نوعه لا يقبل الإجبار على قسمته، فقد رأيناهم يقسمون أنواع الثّياب المختلفة‏:‏ من قطن وصوف وحرير‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ قسمة الشيء الواحد تعديلاً وجبراً‏.‏

ويصرّح المالكية بأن الأرض نوع وأشجارها نوع آخر، إلا أنه إذا تباعدت الأشجار تقسم الأرض وأشجارها معاً، لا الأرض وحدها والأشجار وحدها، وإلا فقد يترتب على ذلك أن يصير بعض شجر أحد الشّركاء في أرض آخر، وهذا يخالف قسمة البساتين‏;‏ لأن المقصود هناك الشجر، والأرض تبع، والمقصود هنا الأرض، والأشجار تبع‏.‏

ج - الموضع الثالث‏:‏ أنه لا يجمع عندهم في قسمة الإجبار بين نصيبين، قالوا‏:‏ لأن قسمة الإجبار لا تكون إلا بطريق القرعة، وفي القرعة غرر يرتكب، ضرورة الحاجة إلى القسمة، ولا ضرورة لجمع نصيبين ‏"‏ مع أن الجمع في الحقيقة تقليل للغرر ‏"‏، ومع ذلك حتموا إجماع كلّ أصحاب فرض في نصيب واحد عند قسمة التركة، أي بين ذوي فروض متعدّدة أو ذوي فرض واحد أو عصبة، وسوغوا اجتماع العصبة - برضاهم - في نصيب واحد عند مقاسمتهم ذوي الفروض، وألزموا الورثة مطلقًا بهذا الاجتماع - إذا طلبه أحدهم - في مقاسمة شريك لمورّثهم حتى يستقلّوا بنصيب مورّثهم، ثم للجميع بعد ذلك إن شاءوا - وقبل نصيبهم القسمة - أن يقتسموه بينهم، إلا أن يكون بقاء الشركة في التوابع - وسبق نحوه للشافعية ‏(‏ف / 18‏)‏ - فإن مرافق الدار المقسومة إذا سكت عنها في القسمة تبقى على الاشتراك كما كانت‏.‏

د - الموضع الرابع‏:‏ أنه لا يشترط تعذّر قسمة كلّ صنف على حدة فيما عدا البساتين، فإنه لا يجبر على الجمع في قسمتها بين صنفين، كتفاح ورمان إلا إذا تعذرت قسمة كلّ على حدة، وسواء بعد ذلك العقار والمنقول، فالدّور والأراضي تجمع في القسمة جبراً إذا طلبها أحد الشّركاء - وإن أمكنت قسمة كلّ دار وكلّ حقل على حدة - وكذلك الثّياب، إلا أن نص المدونة يخالفه في الثّياب، ونصّ عبارتها‏:‏ ‏"‏هذه ثياب كلّها تجمع في القسمة إذا كانت لا تحتمل أن يقسم كلّ صنف منها على حدة ‏"‏، ‏"‏ وفي الدار المعروفة بالسّكنى للميّت أو الورثة ‏"‏ بناءً على أحد تفسيري المدونة وهو الذي قدمه خليل من أن الداعي إلى جمعها مع غيرها من سائر الدّور في قسمة واحدة لا يجاب متى دعا آخر إلى إفرادها بالقسمة وأمكن ذلك‏.‏

22 - والمالكية والحنابلة وكذا أكثر الشافعية يوافقون الحنفية على أن من شريطة الإجبار انتفاء الضرر بنفس المعنى الذي ذكره الحنفية، أي فوات المنفعة المقصودة، وإن بقي المال منتفعاً به على نحو ما، لعظم التفاوت بين أجناس المنافع، وهذا بالنّسبة لمذهب أحمد بناءً على تقرير الخرقيّ، ولكنهم قالوا‏:‏ إنه جرى على رواية، والمعتمد خلافها، وهو أن الضرر المانع من الإجبار هو نقص القيمة‏.‏

وفي كلام المالكية ما قد يفيد أنهم أحياناً ينظرون إلى القيمة‏.‏ بحيث لو نقصت بقسمة المال المشترك قيمته فإنهم لا يجبرون عليها، فقد نصّوا على ذلك في المال المشترى للتّجارة‏.‏

23 - والمالكية والشافعية والحنابلة يختلفون في تحديد مدى الضرر المشروط انتفاؤه للإجبار على القسمة، على آراء‏:‏

الأول‏:‏ مطلق ضرر‏:‏ وعليه المالكية وبعض الشافعية وجماهير الحنابلة وابن أبي ليلى «لنهيه صلوات الله عليه عن الضرر والضّرار»، «عن إضاعة المال»، سواء كان في فضّ الشركة - كما هنا - أم البقية عليها - كما نص عليه الحنابلة فيما لو أوصى إنسان بخاتمه لشخص، وبفصّه لآخر - إذ قالوا‏:‏ إن أيهما طلب قلع الفصّ يجاب، ففي مسألة الشريكين‏:‏ لأحدهما في الدار عشرها وليس يصلح للسّكنى ‏"‏ ولو بإضافة خارجية يستطيعها ‏"‏ وللآخر باقيها لا يمكن الإجبار على القسمة، لما فيها من الضرر بأحد الشريكين، فإن تراضيا على القسمة فلا بأس‏;‏ لأن المستضر قد رضي بضرر نفسه‏.‏

وينصّ المالكية على أن من هذا الضرر المانع من قسمة الإجبار أن يبقى النصيب صالحاً للسّكنى - في مثالنا هذا - ولكن لسكنى غير صاحبه، فيضطرّ أن يؤجّره لغيره مثلاً، وإن نقص الثمن بلا خلاف عندهم، أو نقصت المنفعة عند ابن القاسم ليس من هذا الضرر، وقد رأينا من الشافعية من يشترط عدم نقص الثمن ‏(‏ف /19‏)‏، كما أن عندهم مثل خلاف المالكية في نقصان المنفعة، كالسيف يكسر ليقسم، فإنه يمكن الانتفاع به لنفس الغرض لكن بصورة أقل جدوى، إلا أنهم رجحوا أنه ضرر مانع من الإجبار، ثم ينفرد الشافعية بالنصّ الصريح على أن الضرر إذا كان يمكن رفعه في يسر عن المستضرّ بتكميل النصيب من غير مال الشركة، فإنه لا يعتدّ به لأنه في حكم العدم بتيسّر رفعه وإزالته، كما لو كان بجوار الدار المقسومة أرض موات يستطيع إحياءها، أو مملوكة له فعلاً، أو يستطيع تملّكها، أما التي لا يجاورها إلا ما لا سبيل إلى الحصول عليه - كوقف أو شارع أو ملك لمن لا ينزل عنه - فلا إجبار على قسمتها، وللمالكية ما يفيد ذلك أيضاً‏.‏

الثاني‏:‏ الضرر العامّ‏:‏ كما ذكره الحاكم الشهيد من الحنفية، وهذا عند بعض الشافعية، فليس يمنع من الإجبار على القسمة ضرر بعض الشّركاء دون بعض - سواء أكان طالب القسمة هو المستضرّ أم غيره - إيثاراً للتخلّص من مضارّ الشركة‏.‏

الثالث‏:‏ الضرر الواصل إلى الطالب‏:‏ وهذا هو الذي اعتمده الشافعية، كما اعتمده القدوريّ من الحنفية، ففي مثال الدار، لأحد الشريكين عشرها، ولا يصلح للسّكنى منفرداً إن كان الطالب للقسمة هو الآخر الذي لا تبطل بالقسمة منفعة نصيبه المقصود من مال الشركة ‏"‏ ولو بضمّ شيء من خارج يملكه أو يستطيع أن يملكه على نحو ما ‏"‏ فحينئذ يجبر عليها، وإن كان الطالب هو المستضرّ فمتعنّت مضيّع لماله لا يلتفت إليه ولا يجاب إلى سفهه، وقد عرفنا ما فيه عند تقرير كلام الحنفية ‏(‏ف / 13‏)‏‏.‏

الرابع‏:‏ الضرر الواصل إلى الممتنع‏:‏ على نحو ما تقدم للحنفية في توجيهه ‏(‏ف / 13‏)‏، ومال إليه ابن قدامة قياساً على ما لا ضرر فيه، لرضا الطالب بضرره فيسقط اعتباره‏.‏